الأحد، 23 يناير 2011

حكاوي القهاوي (17)


حكاوي القهاوي (17)
دكتور/ محمود ابورحاب
22/1/2011
http://acoc.eg14.com
(74)
خرج ولم يعد
كنت أتصور خطأ بعد اشتعال الثورة الشعبية في تونس وهروب بئس العابدين بن علي؛ أننا ندرك ميزة أن نخبنا السياسية موجودة داخل البلاد وليس خارجها كما كان الحال في تونس. كنت أتصور خطأً أن هذه النخب ستخرج وتقود الجماهير في مظاهرات حتى يحدث الهروب الكبير. إلا أنني فوجئت أن هذه النخب هي التي اختفت في ظروف غامضة. أعتقد أن حال نخبنا الأشاوس يتشابه وحال المسجونين الذين يفرج عنهم بعد قضاء عقوبة السجن لمدد طويلة كعقوبة المؤبد مثلاً. يظن هؤلاء المسجونون أن الدنيا في انتظارهم لولا هذا السجن اللعين؛ وأنهم سيفعلوا كل ما حلموا به يوماً حين يخروجون. يقضي هؤلاء أيام سجنهم لاعنين السجن وأيامه، ولكن حين يأتي يوم الإفراج تجدهم مرعوبين من الحرية فيما يمكن أن نطلق عليه  "الخوف من الحرية". وقد جسد محنتهم بصدق الفنان محمود عبد العزيز في فيلم "سوق المتعة"؛ فإذا بهم مصابون بالعجز الجنسي؛ لا يملكون سوى سيوف خشبية؛ أقصى طموحاتهم ممارسة العادة السرية؛ صانعين بطولات دونكشوتية مع أجمل نساء الأرض في الخيال. هؤلاء المسجونون تجدهم من شدة رعبهم من الحرية جالسين القرفصاء متمنين العودة الى العالم الذي يعرفونه على الرغم من كل مساوئه؛ لأنهم يحفظونه عن ظهر قلب. اكتشفت للأسف الشديد أن النخب في بلادنا وهم الذين كانوا يملئون الدنيا صراخاً  ضد الطاغية،؛ وكانوا حالمين بيوم سقوطه والحرية؛ وأنهم سيفعلون وسيفعلون ثم سيفعلون، أكتشفت أنهم لا يجيدون سوى الاستنماء الثوري؛ وأن سيوفهم أيضاً خشبية. لهذا فعلى شبابنا شباب 6 ابريل وشباب كل شهور السنة أن يخرجوا دون أنتظار للنخب. تلك النخب التي إن تحدثت؛ تردد على مسامعنا أن تونس تجربة ليس بالضرورة أن تتكرر. وقد يصل بهم غداً التبجح فيقولوا أننا غير تونس؛ وأننا التاريخ وأننا الحضارة وليس التوانسة هم الذين سيقولوا لنا ما الذي علينا أن نفعله. أخشى ما أخشى أن نكتشف يوما أن النخب الأشاوس عندنا قد عقدوا إتفاقاً للصمت. إذا كان ذلك كذلك فأقول مستلهما المخرج خالد يوسف في أحد أفلامه؛ أقول للنخبة أيا غواني رخيصة؛ يوماً سيقول أسيادكم حين يقضوا منكم غاية "حين ميسرة".
(75)
بالأمر المباشر يا  كلاب
فجأة تحولت كل منابر المساجد والقنوات التليفزيونية سواء الحكومية أو الخاصة؛ تحول الجميع بالأمر المباشر الى الحديث عن تحريم حرق المرء لنفسه؛ وأن مصير الفاعل حتماً النار. كما خرج علينا في شاشات التليفزيون بعض ممن حاولوا الإنتحار حرقاً ليقسموا لنا أنهم لم يسمعوا بمحمد بوعزيزي ولا يعرفون ماذا يحدث في تونس أو من هي تونس سوى أنها فريق للكرة عادة ما يسبب الحزن لنا. أقسم لنا هؤلاء أن ما فعلوه كان لمشاكل شخصية لا علاقة لها بالسياسة أو بالظلم الإجتماعي أو بالتحريض على الثورة كما فعل المدعو بو عزيزي. هذا النفي المتعمد لأي صفة تحريضية جاء بالطبع لإقناع الناس بالداخل أنْ لا تفعلوها، فمن فعلها يأسف لفعلته. ايضا فعلى الحدق يفهم، فهؤلاء ينفون وهذا يعني أنهم تعرضوا لكل أنواع الترغيب والترهيب حتى ينفوا أي صلة أو معرفة لمحمد بوعزيزي. أنهم لا يعرفون من هو بو عزيزي أمر مؤكد لأننا شعب بقر وجاهل وسنصدق كل القنوات وسنعمل ما يأمرنا به المشايخ في خطب الجمعة؛ وسنشرب اللبن جميعاً وسندخل للنوم مبكراً وتمام سيادتك يا فندم.

 M. ABOUREHAB, Ph.D.
CONSULTANT CLINICAL PSYCHOLOGIST & PSYCHOTHERAPIST

هناك تعليق واحد: